ترتيب جلسة «الاجتماعات »
سنة 1986 – المقالة 17
قال حكماؤنا في رسالة «برخوت» (Berkhot):
«قال ربي شِملائي: على الإنسان أن يرتّب أولاً تسبيح “هَكادوش باروخ هو” (HaKadosh Baroukh Hou) ثم بعد ذلك يُصلّي».
ومن أين نتعلم هذا؟ من موسى، كما هو مكتوب: «وأتـحَنّن» (Vaet’hanan). وقد فسّر هذا أستاذي ووالدي (لذكره البركة): إن من يريد أن يطلب من شخصٍ ما أن يمنحه خيرًا، عليه أن يعرف أمرين: هل يملك هذا الشخص ما يطلبه منه؟ لأنه إن لم يكن في يده، فما الفائدة من الطلب؟ أن يكون لديه قلب طيب للعطاء، لأنه قد يملك ما يُطلب منه، ولكن ليس لديه قلب يمنحه ولذلك يجب أولاً أن نُرتّب تسبيح «هكادوش باروخ هو» — أي أن نؤمن بأنه يملك كل ما يطلبه الإنسان، وأنه رحيم، ويمنح كل واحدٍ مسألته لما فيه الخير. وبناءً على هذا، عندما يجتمع الأصدقاء في مكان واحد، فمن المؤكد أن الاجتماع له هدف، إذ إن كل واحدٍ منهم يتنازل عن جزء من وقته، الذي كان يمكن أن يستخدمه لحاجاته الخاصة، ويتخلّى عن أعماله، ويأتي ليشارك في «هتعوعدوت» (Hitvaadout – الاجتماع الروحي).
فهذا يعني أنه يريد أن يكتسب شيئًا. لذلك يجب أن يحرص كل صديق عند عودته إلى بيته على أن ينظر: بماذا جاء إلى هتعوعدوت، وماذا اقتنى الآن وهو عائد إلى بيته؟ لكن أحيانًا، أثناء جلسة الأصدقاء، يشعر الجميع بلذّة الجلسة، ولا يخطر ببالهم أن يفكروا: «بأي كنزٍ أو اقتناءٍ أعود إلى البيت الآن؟».
أي: ماذا لدي الآن بين يدي مما لم يكن عندي قبل أن آتي إلى الجماعة؟ وعندها يكتشف أنه لا يملك شيئًا.
وهذا يشبه ما كُتب في التوراة (سفر التثنية 23:25): «حين تدخل كَرْم صاحبك، تأكل من العنب قدر ما تشتهي نفسك حتى تشبع، ولكن لا تضع شيئًا في وعائك.» ويمكن تفسير ذلك هكذا: حين يجتمع الأصدقاء، وهذا يُسمّى “كَرْم صاحبك”، ويجلسون ويأكلون ويشربون معًا ويتحدثون في “الفراغ والتيه” (Tohu vaVohu)، فإن الجسد يستمتع في اللحظة ذاتها. وهذا يشبه قول الآية: «تأكل عنبًا قدر ماتشتهي نفسك حتى تشبع».
لكن عندما يعودون إلى بيوتهم ويريدون أن يروا ما لديهم في أوعيتهم (Kelim – أوعية الاستقبال الروحية)، أي هل أخذوا معهم طعامًا روحيًا أو حياةً تغذيهم بعد مغادرتهم الاجتماع، فإنهم يكتشفون: «وإلى أوعيتك لا تضع» — أي لا شيء لديهم ولكن الإنسان يجب أن يحرص، عندما يبذل أي جهد، على ألا يكون هذا الجهد بلا مكافأة. كما نقول في صلاة «وفا لصيون» (Uva LeTsion): «لِئلّا نَتْعَب باطلاً». ولهذا، عندما يذهب الإنسان إلى هتعوعدوت، عليه أن يشتري هناك غذاءً روحيًا، حتى إذا عاد إلى البيت، تكون لديه القدرة على النظر إلى ما لديه في أوعيته. وعندها سيكون لديه غذاء روحي يُغذّي نفسه به حتى اللقاء التالي، فيبقى عنده ما اكتسبه في اجتماع الأصدقاء السابق.
تنظيم الجلسة الروحية «هتعوعدوت» – المرحلة الأولى والثانية والثالثة
لذلك، يجب أولاً ترتيب تسبيح الاجتماع الروحي «هتعوعدوت» (Hitvaadout). وبعد ذلك، النظر: ماذا يمكن أن نكتسب من هذه الفعالية؟
وكما قال الحكماء: «على الإنسان أن يرتّب أولاً تسبيح “هكادوش باروخ هو” (HaKadosh Baroukh Hou – القدوس المبارك هو)، ثم بعد ذلك يُصلّي» أي: في بداية الجلسة، أي بداية الحديث وبداية افتتاح اللقاء، يجب أن نتحدث عن مزايا الجماعة، وعن عظمتها. وكل شخص عليه أن يحاول أن يعطي طعماً وشرحاً للمكانة الخاصة والرفيعة التي تحملها هذه الجماعة. ولا يُتحدث في أي موضوع آخر غير مدح الجماعة وحين يظهر هذا المدح بوضوح من خلال الأصدقاء أنفسهم، يقال: «الآن انتهينا من المرحلة الأولى من جلسة الأصدقاء، ونبدأ بالمرحلة الثانية».
المرحلة الثانية: أن يقول كل واحدٍ حسب فهمه، ما هي الأفعال التي يمكننا القيام بها حتى يستطيع كل واحد أن يقتني محبة الأصدقاء في قلبه. أي: ما الذي يمكن لكل فرد أن يفعله حتى يزرع في قلبه محبة كل واحدٍ من أفراد الجماعة.
المرحلة الثالثة: بعد الانتهاء من طرح الاقتراحات حول ما يجب فعله لصالح الجماعة، ننتقل إلى مرحلة التنفيذ العملي، أي تحويل ما قرره الأصدقاء إلى أفعال واقعية.
وفي موضوع مدح الجماعة، يشير كتاب «متان توراه» (Matan Torah – عطاء التوراة)، ص 137، إلى أن محبة الأصدقاء هي الوسيلة التي يمكن من خلالها الوصول إلى عظمة الخالق.
لأن كل العالم غارق في محبة الذات، بينما من يريد أن يسير في طريق العطاء يختار السير في اتجاهٍ معاكس لطبيعة العالم.
وذلك لأن الطبيعة التي وُلدنا فيها مستمدة من هدف الخلق، وهو كما قيل: «رغبة الخالق هي أن يُحسن إلى مخلوقاته».
وكل القدرة التي نمتلكها للسير عكس هذه الطبيعة — أي بدلاً من أن نرغب في الأخذ لأنفسنا، نرغب في العطاء — تأتي من خاصيّة طبيعية في الإنسان: عندما يعطي الإنسان لشخص مهم، فإنه يشعر بالسرور من هذا العطاء. إذ لا يمكن للإنسان أن يفعل شيئًا دون لذة أو متعة، لأن هذا ضد الطبيعة.
لكننا نستطيع أن نُبدّل نوع المتعة: أي بدل أن نستمتع بفعل الأخذ، نريد أن نستمتع بفعل العطاء. وهذا ما يُسمى «هشتووت هتسورا» (Hishtavut HaTzoura – التماثل في الصورة)، أي أن نستمتع بالعطاء كما يستمتع الخالق نفسه حين يعطي لمخلوقاته. وإذا كنا أثناء العطاء للخالق لا نشعر بالسرور، فإننا نُحدث خللاً في هذا التماثل. كما قال الحكماء: «لم تكن هناك فرحة أمامه مثل يوم خُلقت فيه السماوات والأرض. ولم تكن فرحة لدى “هكادوش باروخ هو” منذ خُلق العالم مثل الفرحة التي سيفرح بها مع الصالحين في المستقبل» (الزوهار 1:115).
لذلك، إذا لم تكن لدينا فرحة أثناء تنفيذ أوامر الخالق، حتى وإن كانت نيتنا العطاء له، فإن هذا لا يُسمى «هشتووت هتسورا» (التماثل في الصورة).
لأن الإنسان لا يستطيع أن يفرح إلا في الموضع الذي يجد فيه لذة. فإذا لم يجد لذة وسروراً في كونه يعطي للخالق، فإن التماثل لم يتحقق بعد، وبالتالي لا يمكنه أن يتلقى النور العلوي، لأن اللذة التي لدى الخالق عند العطاء للمخلوقات ما تزال غائبة عنه.
أساس المتعة الروحية وهدف «هتعوعدوت» (الاجتماع الروحي)
ومن هذا يتضح أن كل الأساس الذي يمكننا من خلاله أن نحصل على المتعة واللذة — وأنه مسموح لنا أن نستمتع، بل واجبٌ علينا أن نستمتع من أفعال العطاء — يقوم على نقطة واحدة: أن نمنح أهمية للرّوحانيات.
وهذا يتجلّى في أن نُعطي اهتمامًا للأسئلة التالية: إلى من أنا أتوجّه؟ مع من أنا أتحدث؟ وصيّة مَن أنا أُنفّذ؟ وتوراة مَن أنا أدرس؟ أي علينا أن نبحث عن الطرق التي نُعظّم بها مُعطي التوراة.
ولأن الإنسان من ذاته، قبل أن ينال أي إشراقة من الأعلى، لا يملك بعد الإحساس بهذه العظمة، فهو بحاجة إلى أشخاص يشبهونه في التوجّه، أشخاص أيضًا يبحثون عن كيفية تعظيم أهمية التواصل مع الخالق بأي شكل كان.
وبفضل اجتماع مثل هؤلاء معًا — فإن كل واحد منهم يستطيع أن يتقوّى بفضل الآخر.
ويجب أن نعلم أن: «قليل من الناس يعني اثنين».
أي إذا جلس صديقان معًا وفكّرا كيف يمكنهما أن يُعظّما أهمية الخالق، فهما قد خلقا بالفعل قوة للتقوّي بعظمة الخالق — من الأسفل (Itarouta Diletata – إثارة من الأسفل) — والتي تجلب بعد ذلك إثارة من الأعلى (Itarouta Dileila)، فيبدآن معًا بالشعور بشيء من عظمة الخالق.
وكما هو مكتوب: «بعظمة الجمع يُمَجَّد الملك» (Berov Am Hadrat Melekh).
فكلما كان الجمع أكبر، كانت قوة الجمع أعظم. وهذا يخلق جوًا أقوى من الشعور بعظمة وقدسية الخالق، حتى إن كل واحد من الأصدقاء يشعر أن أي عمل يقوم به من أجل القداسة — أي من أجل العطاء للخالق — يصبح بالنسبة له كنزًا عظيمًا.
ويشعر بالفخر لأنه حظي بالدخول بين أولئك الذين يخدمون الملك. وحينها، حتى أصغر عمل يقوم به، يكون مملوءًا بالفرح واللذة، لأنه يشعر أن لديه فرصة ليخدم الملك.
وبحسب مستوى تركيز الجماعة على عظمة الخالق أثناء «هتعوعدوت»، فإن كل فردٍ يتأثر بذلك بمقدار ما يستطيع أن يعيش اليوم كلّه في عالم من الفرح والبهجة. حتى من تذكير صغير في منتصف يومه، يشعر بالامتنان ويقول: «الخالق ناداني الآن ويريد أن يكلّمني»، فيمتلئ بالفرح.
وكما لو أن الملك استدعاه شخصيًا وقال له: «أريد أن أتحدث معك» — كيف سيكون شعوره؟ أي فرح سيغمره؟ وأي حالة روحية سيرتقي إليها؟
ومن المؤكد أنه في هذه اللحظة لن يفكّر في أي تفاهات. بل قد يشعر بالخجل لأنه لا يعرف تمامًا آداب وحُرمة الحديث مع الملك.
وحتى ما يعرفه من القواعد البسيطة التي تعلمها وهو صغير، سيعتبره ثروة عظيمة، لأنه يملك ما يقدّمه للملك.
ومع تقدّمه ونضجه الروحي، سيشعر بالنقص لا لشيء سوى لأنه لا يعرف بعد ما الذي يُفرح الملك أكثر — أي ما الفعل أو النية التي تمنح الخالق السرور.وبخلاف ذلك، يعيش في عالم كله خير. وهذا هو الجو الداخلي الذي يجب أن تفكر فيه الجماعة أثناء «هتعوعدوت»:
أن ترفع أهمية الهدف، وتُعظّم قدسية الجماعة، قبل أن تطلب منها شيئًا.
تسلسل العلاقة مع الجماعة
كما قال الحكماء: «على الإنسان أن يُرتّب أولاً تسبيح الخالق، ثم يُصلّي».
كذلك مع الجماعة، عندما نريد أن نطلب منها شيئًا (وهذا يُسمى «يتپالّل» = يطلب أو يصلي)، يجب أن نبدأ أولاً بمدح الجماعة، ثم نطلب منها ما نحتاجه.
أي على الإنسان أن ينظر أولاً: ما الذي تمتلكه الجماعة؟
ما الكنز أو الثروة الروحية التي يمكن أن يحصل عليها من خلال ارتباطه بها؟
وقد يكون هذا الكنز في البداية غير مرغوب فيه بالنسبة له، بل قد يكون يميل إلى الابتعاد عنه ولذلك عليه أن يراقب جيدًا عندما يأتي إلى جلسة الأصدقاء: هل لدى الأصدقاء الهدف نفسه الذي يتوق إليه؟ فإذا كان لدى كل واحد منهم جزء من هذا الهدف، وكانوا جميعًا موحّدين نحو نفس الاتجاه، فإن كل فردٍ سينال نصيبه، إضافة إلى نصيب الجماعة كلها، فيتضاعف لديه القوة مثل قوة الجميع معًا.
ومن هنا يتضح أن على كل واحدٍ أن ينظر بجدّية إلى هدف «هتعوعدوت»، وأن يحرص على أن يعود من الاجتماع ومعه شيء يضعه في أوعيته الداخلية (Kelim – كِليم) لا أن يعود فارغًا، كما في المثل: «ولا تضع شيئًا في وعائك» ومن لا يشارك في الاجتماع بانتباهٍ خاص، لا يضر نفسه فقط، بل يضر الجماعة كلها وكما ورد في «المدراش»: «رجلان كانا في سفينة، فبدأ أحدهما يحفر تحت مقعده. قال له الآخر: لماذا تحفر؟ أجاب: ما شأنك، أنا أحفر تحت مقعدي لا تحت مقعدك. فقال له صاحبه: يا أحمق، سنغرق معًا!».
وحدة الجماعة
بعد الحديث في الجلسة عن أهمية الجماعة وضرورتها، يأتي دور العمل البنّاء: كيف نقوّي الجماعة لتصبح وحدة واحدة — كما قيل: «وحلّ إسرائيل هناك مقابل الجبل» (سفر الخروج 19) «كشخص واحد بقلب واحد» ويُتّبع النظام التالي: كل من لديه اقتراح يقوّي محبة الأصدقاء، يُعرض ويُناقش، ويُتخذ القرار جماعيًا — دون أي نوع من الإكراه، بل من خلال توافق القلوب.
إلى هنا، كنّا نتحدّث عن العلاقة بين الإنسان وصديقه، وهي التي تُوصلنا إلى العلاقة بين الإنسان والخالق. كما هو مكتوب في كتاب «متان توراه» (Matan Torah) – صفحة 137.
وبناءً على ذلك، فكما نتحدّث عن أهمية محبة الأصدقاء، ونُدرك أن كل هذه الأهمية تكمن في أنها تُوصلنا إلى محبة الخالق،
يجب علينا أيضًا أن نتذكّر: أن محبة الأصدقاء ليست هدفًا بحدّ ذاتها، بل هي وسيلة تفتح لنا الباب إلى أهمية محبة “هكادوش باروخ هو” (HaKadosh Baroukh Hou – القدوس المبارك هو).